محمد الكيلاني: ''هذا ما كان يحدث في الطابق الثالث بوزارة الداخلية''
خلال حلوله ضيفا على برنامج "بورتريه باي موزاييك أف أم" اليوم 7 فيفري 2021 تحدّث المناضل والمعارض السياسي اليساري محمد الكيلاني، مؤسس الحزب الاشتراكي اليساري التونسي، عن أبرز المنعرجات في مسيرته النضالية وكشف تفاصيل تعرضه إلى التعذيب وصراعه مع كلّ بورقيبة وبن علي.
عاش محمد الكيلني، المولود في 31 جانفي 1949 بمعتمدية منزل تميم من ولاية نابل، طفولة صعبة عرف خلالها الخصاصة والفقر، يقول عنها "فترة كانت صعبة.. الفقر والجوع الذي عشته لا أتمنى أن يراهما أحد.. والدتي كانت تغلي الماء إلى أن يغلبنا النوم كي توهمنا بأنّها تطهو لنا الطعام.. والدي كان غائب بحكم عمله في مجال الفحم في جبل عبد الرحمان".
التحق محمد الكيلاني، بعد حصوله على شهادة البكالوريا، بكلية العلوم بتونس أين درس الرياضيات والفيزياء، وانضم في تلك الفترة إلى منظمة العامل التونسي اليسارية، حيث انخرط في النشاط الطلابي وكان من المشرفين على الهياكل النقابية المؤقتة التي انتخبها الطلبة لتجاوز أزمة الاتحاد العام لطلبة تونس.
وفي هذا السياق، يقول الكيلاني "بدأ الإسلام السياسي بالظهور في الجامعات عام 1973 وكان الرمز الذي يمثل هذا التيار هو الراحل حسن الغضباني بتدخلاته وخطاباته".
وعن سبب اختياره مسار اليسار، يفسّر ضيفنا ذلك "كان لي صديق أهداني ذات يوم البيان الشيوعي، الذي تفاعلت معه عندما قرأته، جعلني هذا البيان أفكر بأكثر انتمائية للفكر الاشتراكي عموما في ما يتعلق بمختلف القضايا.. وجدت نفسي فيه".
ماذا يحدث في الطابق الثالث لوزارة الداخلية؟
هي صورة لم تمح من ذاكرة ضيفنا، حين سجن في عهد الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة وتعرض للتعذيب، عندما يدخل عليه طبيب شاب لفحصه بعد أن يغمى عليه جراء التعذيب.
يقول الكيلاني "الجلاّد أعرف أنّه عبد مأمور في لحظات معينة يفقد إنسانيته.. ولكن.. ذلك الطبيب الذي غدر بالقسم، الذي كان ينظر إلى قدمي المتورمة والدمّ يسيل منها، ويقول بكلّ بساطة لا بأس! مازال يتنفس، اضرب… يمكنكم استكمال التعذيب!"، ويضيف "ذلك الطبيب لم أجد له مبرّر، لا أعرف ماذا يمكنني أن أقول له لو جمعتني به الصدفة في يوم ما".
حدّثنا محمد الكيلاني عن "بيت الصابون" في الطابق الثالث من مبنى وزارة الداخلية، في قلب شارع الحبيب بورقيبة، أين كان يتعرض الموقوفون والمناضلون السياسيون بصفة خاصة إلى التعذيب.
ويقول ضيفنا أنّ بورقيبة كذّبهم في لقاء لهم به وقال لهم "لا تعذيب في دولتي"، ليردّ عليه الكلاني "أنا الذي تعذبت يا بورقيبة، أنا الذي نيّموني على الأرض وأنا مجرّد من ملابسي.. أنت يا بورقيبة تعذّبت في دولة الاستعمار، لكن أنا الذي تعذبت في دولة الاستقلال".
بتاريخ 7 نوفمبر، قال محمد الكيلاني دون تردّد "الجنرال بن علي يفتح عهد الانقلابات" مفسّرا ذلك بأنّ بن علي كان جنرالا في الجيش ولا يمكن للجيش ضمان مبدأ الديمقراطية لأنّه يجسّد الانضباط والأوامر بمعنى الديكتاتورية ليس غير ذلك، إضافة إلى أنّ بيان بن علي لم يكن سوى مجردّ حديث لا أكثر ولا أقل، وفق تعبيره.
عام 1995، تمّ إيقاف الكيلاني وتعرض للتعذيب مرّة أخرى، ويصف ضيفنا في هذا السياق التعذيب في عهد بن علي بـ "السياسة الممنهجة"، ويقول "بورقيبة من الممكن أنّه كان جاهلا للتعذيب الذي يحدث وأنا متأكّد أنّ هناك العديد من الأشياء التي لم يكن على دراية بها.. لكن بن علي يعرف كلّ شيء وكان عالما بأدّق التفاصيل التي تحدث"، ويضيف "بن علي هو مؤسس المخابرات العسكرية في تونس".
وعن الخلافات داخل حزب العمال زمن حكم بن علي، يقول الكيلاني "لم نكن مختلفين على موضوع الإسلام السياسي وموقفنا كان واحدا.. كنّا متفقين أنّ الحركة الإسلامية لها مشروع استبداد.. لكن حالما غادرت الحزب بدأت الخلافات الحقيقية تظهر وكانت بالأساس حول السياسيات وكيفية التعامل مع الواقع".
فيما بعد، تعرض محمد الكيلاني إلى التخوين من طرف "رفاقه من الحزب" الذين روجوا إلى أنّه "ضدّ حركة النهضة لأنّه يريد التحالف مع السلطة"، ويوضح ضيفنا "ما آلمني أنّه تمّ اتهامي باطلا من طرف رفاقي في الحزب".