جبال القصرين: حيوانات نادرة وغابات أكلها الإرهاب شتاءً واللّهيب صيفاً

 

كنّا قد تعرّضنا في ورقة سابقة إلى ما أتته مأساة الحرائق  وما اقترفه توحّش الإرهاب من تدمير لجبال القصرين، ونستحضر في هذه الورقة ما يكتسي غابات القصرين من ثروات نباتية وحيوانية نادرة…

حرائق لا تنتهي إلا لتبدأ من جديد…

 أسبوع واحد بعد الورقة الأولى، انطفأت نيران بمناطق، واندلعت الحرائق مجدّدا بجبل سمامة والدولاب، اليوم الإثنين 12 جويلية 2021، وفق ما أكده لموزاييك رئيس دائرة الغابات بالقصرين يامن حقي.

حصيلة كارثيّة:

حرائق  تجاوزت أضرارها ال500 هكتار بكل غابات القصرين منذ بداية 2021، في حصيلة مخيفة تهدد التوزان البيئي والحيواني الجهوي والوطني، وفق رئيس دائرة الغابات بالقصرين.

غابات متنوّعة  لا تشبه إلاّ القصرين:

تحتوي القصرين 158 ألف هكتار من المساحات الغابية، وتمثل 19% من المساحة الجميلة لولاية غابية وجبلية بامتياز. وتمثل مساحات الصنوبر الحلبي، والذي يفوق عمر أشجارها الثمانين سنة، 36% من جملة المساحات الجميلة، بالإضافة إلى العرعار والكشريد والتاقْة…

وترتسم مسالك غابية على طول 610 كم في عمق المناطق الجبلية، بطرائد نارية على طول 1550 كم، وتحتوي هذه الغابات 19 برج مراقبة، لأعوان الغابات.

وتبلغ نسبة الانتاج  السنوي حوالي 7 مليون شتلة.

ويتم غراسة 100 هكتار سنويا من الصنوبر الحلبي في هذه الغابات، من قبل مصالح دائرة الغابات.

حيوانات نادرة ومهدّدة بالانقراض:

هذا الثراء الغابي أنتج بالضرورة ثراءً حيوانيا فارقا وسط مرتفعات القصرين، خصوصا قبل سكون الإرهاب مرتفعات الشعانبي، التي كانت تحتوي محمية كانت قبلة للزوار المحليين والأجانب على مضي عقود، محمية كانت بمثابة الملجأ لحيوانات نادرة ومهددة بالانقراض مثل الأرو، الذي احتوت مرتفعات الشعانبي 800 رأس منه، قبل أن يتفرق بمفعول الإرهاب والقصف والحرائق، ليصبح عرضة للصيد العشوائي وللانتهاك، مثل غابات السباسب العليا…

ولمح أعوان الغابات مؤخرا عدد من هذه الحيوانات في جبال أخرى مثل جبل طم صميدة…

مرتفعات كانت مساكنا آمنة لحيوانات فريدة أخرى مثل الضبع المخطط النادر والضربان والأرنب البري والكروان والإوز وابن آوى، وخصوصا الخنزير الوحشي الذي كان يجلب كل صيادي العالم إلى ولاية القصرين التي كانت تدخل شتاء كل سنة، في ماضٍ غير بعيد، في حركية سياحية ترفيهية مختلفة وثرية.

الإكليل والزقْوقْو والحطب.. رغيف البسطاء...

لم تكن جبال القصرين مكانا ترفيهيا فحسب، بل بقيت توفر إلى اليوم، رغم النيران الملتهبة والإرهاب الأسود، لجامعي الإكليل والحطب والزقْوقْو، والتي تعبر مهن البسطاء من سكان المناطق الجبلية، موارد أدخلت لخزينة الدولة 1.3 مليون دينار بفضل إكيليل الجبال وما يفوق ال130 ألف دينار من مداخيل مخاريط الصنوبر الحلبي "الزقوقو" سنة 2021، وتباع منتوجات هذه الثروات في شكل "بتّات" تدخل حيوية تنموية على هذه المناطق، رغم هناتها…

تتواصل الحرائق في جبال القصرين، وتهدد التوازن البيئي بعد أن هدد الارهاب الذي سكن المرتفعات سلامة الوطن. وفي ظل غياب سياسة وطنية واضحة لحماية هذه الطبيعة المتفردة من لهيب حرائق الصيف وإهمال الشتاء، لا يمكن لمن عرف هذه الغابات عن قرب إلا العيش على ذكرى طبيعة آمنة من توحش الإرهاب والنار، على أمل أن يعود للشجر بريقه وللأرض سلامها وللأهل جبلهم…

برهان اليحياوي.