جهوية

جبال القصرين: ثورة غابيّة هامة ونادرة أكلها الإرهاب شتاءً واللهيب صيفا (صور)

وأنت تتجوّل وسط مدينة القصرين ليلاً، تظهر لك أعمدة النّار وخطوط الدّخان جليّة متناثرة من جبالها الّتي تحيط بها من كلّ صوب.

لهيب يأكل بعنف غابات جبل السلّوم وسمّامة غرباً، في الوقت الذي يحترق فيه الشعانبي على مهل شرق مدينة القصرين. نار لم يسلم من بطشها جبل تيويشة وبيرينو وغيرهما شمال المدينة، ما أضفى على متساكني الجهة شعوراً إضافيّا بالغبن لأسباب سنأتي على شرحها تباعا في هذه الورقة.

الشّعانبي ورحلة الشّتاء والصّيف

يمثّل جبل الشعانبي، أعلى قمّة في الجمهوريّة التونسيّة ب1544 متراً على سطح البحر، رمزًا إعتباريّا لسكّان الجهة. ليس بطوابقه السّبعة المسترسلة من  سفحه إلى  القمّة فحسب، بل لأنّه كان قبل أكثر من عقد من الزّمن، قبلة الزوّار من المحليّين والأجانب، في الصّيف والشّتاء، بحثا عن جولة ترفيهيّة، في منطقة تحتوي مثل جلّ مناطق القصرين الغابيّة حيوانات نادرة مهدّدة بالانقراض كالأرو والأيل والكروان وابن آوى والضّبع المخطّط والحجل والخنزير والأرنب البرّي، وغيرها. حيوانات عاشت في غطاء نباتيّ متنوع يضمّ خصوصًا الصّنوبر الحلبيّ والكشريد والعرعار والإكليل…

سنوات انتكاسة الجبال

منذ سنة 2012، ومع تواتر أخبار تحصّن مجموعات التّكفير والإرهاب بمختلف تسمياتهم في جبال القصرين، تغيّرت المشهديّة، وأصبحت جلّ الغابات في المرتفعات الّتي كانت مصدر فخر كلّ الأهالي  وموطن رزق أكثر من 70 ألف نسمة يقطنون المناطق الغابيّة (16% من مجموع سكّان ولاية القصرين)، أصبحت موطن نقمة، استشهد فيها المدنيّ والأمنيّ والعسكريّ، أو بُترت أطرافه داخلها في أقلّ الحوادث وطأة على القلوب. وباتت جلّ تلك المرتفعات مناطق عسكريّة مغلقة تدور في شعابها رحى الحرب على الإرهاب. وما يزال الدّاخل إلى ظهرانيها مهدّد والخارج من قلبها شهيد أو مصاب أو محظوظ.

ثروات تأكلها النيران

الحدث أصبح عاديّاً، والاستثناء هو أن لا تندلع الحرائق في جبال القصرين كلّ صيف. نيران تأكل غابات متفرّدة بنهمٍ، فعلى صعيد الذّكر لا الحصر، أتت الحرائق على ما يفوق ال140 هكتاراً في آخر أيّام شهر جوان وأول أيّام جويلية من سنة 2021، وفق رئيس دائرة الغابات بالقصرين،المهندس الرّئيس يامن حقي. ولا تزال النيران مندلعة إلى حدود اليوم بجبال سمّامة ومغيلة والسلّوم وتيوشة والشّعانبي.

حرائق تهدّد 158 ألف هكتار من المناطق الغابيّة في ولاية مصنّفة من ضمن أكبر الولايات التّونسيّة الّتي تحتوي ثروات غابيّة. ثروة توفّر 12 مليون وحدة علفيّة من 44 مليون وحدة جمليّة للقطيع الجهويّ للأغنام بولاية القصرين، المقدّر 125 ألف رأس. بالإضافة إلى ما تقدّمه من ثروات أخرى كالحطب و"الزقْوقْو" والإكليل والّتي سنأتي عليها تباعا في ورقات قادمة.

نداءات عاجلة

مع تواصل التهاب النيران في جبال القصرين، وجّهت جمعيّات نداءات، وتدخّل ناشطون عبر موزاييك، وطالبوا بتدخّل سريع  للسّلط المركزيّة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه عبر توفير كل الآليات اللاّزمة لإنقاذ الغابات، ثورة القصرين المهملة في أقرب الآجال، لعلّ الجبال الّتي أكلها الإرهاب شتاءً والتهمتها الحرائق صيفاً تلفظ كلّ دخيل  عنها، بشريّ كان أو طبيعيّ، وتعود كما كانت مورد رزق ومصدر فخر لكلّ من سمع عنها.

في القصرين وأنت ترى بالعين المجرّدة أعمدة النّار ترتفع من الجبال نحو السّماء، قد تشعر بأن هذه الحرائق لا تلهب الغابات فحسب، بل تحرق جزءًا من الذّاكرة الجمعيّة، وقطعة من الافئدة الرّافضة لكلّ عمل تخريبي يمسّ طبيعة جبليّة لا تشبه إلّا ندرتها…

 

برهان اليحياوي.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock