عبد القدوس السعداوي، قصة شاب تونسي ''جدا''، خطّ طريقه من عمق القصرين وحملها معه أينما حطّ به الرحال، في قلبه وفكره، ويقول عنها ''ما فما حتى شيء يضاهي حبي للقصرين''.
لم يكن سياسيا بالفطرة، لكنه سبر أغوار عالمها بعد عودته من فرنسا وبعد الثورة، لأنه آمن أن ''على هذه الأرض ما يستحق الحياة'' وأن ما تحقق في جانفي 2011 يجب أن يُستكمل. يقول السعداوي ''كنا متخلين عن الشأن العام في أول شبابنا.. وهو ما يعطينا اليوم درسا: حين تفكر في نفسك فقط ولا تهتم للصالح العام.. رأينا النهاية التي تكون''.
يمكن لأي شاب تونسي أن يكون عاش ما عاشه ''عبدو''، بين المقاعد الخشبية لمدرسته ومعهده، وصولا إلى مبيت ''المعهد النموذجي بالكاف''، ووجبات ''اللوبيا'' التي لا تنتهي.. وضع ''الاغتراب الصغير'' الذي عاشه كل تلميذ فارق بيئته ''المريحة''. يقول عبد القدوس خلال استضافته في برنامج ''بورتري'' اليوم إن الكاف ومعهدها النموذجي كانا مدرسة ''حياة'' بالنسبة إليه، وهناك كون صداقات كبيرة ومن هناك خرجت كفاءات تونسية فذّة شرّفت تونس وماتزال، ومنهم من خرجوا بقعة ضوء من أعماق سفوح البلاد وأحيائها الخلفية..
من الكاف اختار السعداوي أن يتجه إلى فرنسا بعد إحرازه شهادة الباكالوريا، حاملا حلما بأن يصبح طيارا.. ولم يكن يعلم أن جواز سفره لا يمكنه من ذلك.. وكانت تلك صدمته الأولى. هناك عوّل على نفسه وخاض تجارب عديدة وجاب أوروبا، ''الغربة علّمتني التسامح''، هكذا يقول. وهناك التقى الشاب اليافع المتّقد حماسا وأحلاما وثقة، بإمرأة أحلامه، ''كلوديت''، التي خاض لأجلها معارك وحروبا.. وانتصر. لأجل الحب، وبسبب الأحكام المسبقة، وجد السعداوي نفسه وراء القضبان الفرنسية، وكانت تلك صدمته الثانية، لكنه لم يستسلم..
وعن التجربة يقول ''رأيت هناك تجارب عدة.. الناس اللي خرجت وحرقت في النهاية مش باش تعيش البرة.. بش تعيش خير لهنا''.
في 2013، عاد السعداوي إلى وطنه، ويقول ''اعتبر أننا ولدنا من جديد في 14 جانفي 2011.. أبن عمي توفي بالرصاص.. ابن حيي وصديقي أيضا.. رأيت أبناء بلادي يقتلون بالرصاص كالأرانب.. ما يجهله النظام حينها أن التكوين الحضاري في القصرين وغيرها ليس كغيرها.. حين يسيل الدم فلا عودة''. وعن العودة يقول ''روحت نلقى كأننا تغدرنا.. نلقى الناس الكل تكره بعضها.. صدمني ذلك''.
عبد القدوس خاض بعدها تجربة سياسية قد تكون بداية تجارب أخرى، وعبد القدوس كاتب الدولة للشباب سنة 2017، هو أيضا شاعر وكاتب كلمات أغنية ''ما نسيت''..
وعن الواقع اليوم، قال ''الطفل اللي نحاولو دبشو عمرو 5 سنوات في الثورة.. كبر في الحرية.. تنحيولو دبشو؟'' وتابع ''الدولة لا تثق في المواطن.. اذا ما نفيقوش الفرصة الديمغرافية التي نملكها ستضيع..''. وفي رسالته للشباب يقول ''لازم العباد الباهية تنخرط في العمل السياسي.. الجالسون فوق الربوة: الماء وصلكم''.