صدر حديثا: ''الغزالي وسياسة الحقيقة… إحراجات ورهانات''‎

صدر مؤخرا عن دار كلمة للنشر والتوزيع كتاب " الغزالي وسياسة الحقيقة، الإحراج الميتافيزيقي ورهانات التأويل" للباحث الدكتور مراد بن قاسم، والكتاب هو أطروحة نال من خلالها شهادة الدكتوراه.
 

يكشف صاحب الكتاب الذي يقع في 364 صفحة أن أسَّ الانشغال في هذا العمل تمحور حول استقراء طبيعة تشكل الحقيقة في مدونة هامة من التراث. فهل كانت هذه الحقيقة انعكاسا لأشكال مختلفة من التسلط والعنف والمراقبة مثلما يصرح الفيلسوف الفرنسي ميشال فوكو؟ أم أن نظام الخطاب الغزالي وفق في بيان سمة التعدد للحقيقة وتنوعها مما ينزع عنها حجاب الوحدة بقدر ما يزيح عنها، في ان، إحراج الخضوع المطلق للملة؟
 

ويبين الدكتور مراد بن قاسم أن رسالة قانون التأويل لم تكن مجرد مؤلف غزالي وإنما مثل ذلك المشروع لأبي حامد الذي يقصد إلى فهم الحقائق وتأويلها، سواء ارتبطت بالمعرفة الإنسانية أو المعرفة الإلهية. وقد كان جوهر رهان الفيلسوف الإعلان الواثق عن كفاية العقل البشري على الممارسة الحرة للفهم والمحاجة والنقد، تمييزا بين الممكن الإنساني والمطلق الإلهي، أي التمييز بين المعرفة الممكنة للعقل والمعرفة الإلهية غير المتاحة له. ولأجل تحصين هذه الكفاية العقلية أحكم الغزالي توظيف علم المنطق في مجالات المعرفة كما في فضاء العمل. ولسبب من ذلك كان قانون التأويل سياسة خطاب الغزالي في مدونته عامة، الأمر الذي أهله سباقا لسطوة النقد النظري والعملي في ان. 
 

ويخلص بن قاسم إلى أنّ الانشغال بفلسفة الدين في مدونة أبي حامد لم تكن نظرية مجردة بل انشغل بالحيز الأخلاقي والسياسي للإنسان، فكان له من فرادة الموقف وطرافته ما يثير النقاد ويشد اهتمامهم إلى اليوم. لأن الفيلسوف لم يكتف بتأكيد وثاقة صلة السياسي والأخلاقي، وإنما اتجه إلى تقرير أولوية نظام الحكم على الحاكم، وتأصيل ضرورة الخلاص من كل حكم وراثي، وإخضاع صاحب السلطان إلى المراقبة فضلا عن رفض الحكم الذي يقصد إلى أن يكون مبدأ. فسياسة الحكمة تقتضي سياسة التغيير المستمر للحكم تجنبا للاستبداد واختراقا للعنف والإقصاء. 
 

والحال هذه، لم تكن سياسة خطاب الغزالي معزولة عن سياسة الحقيقة لديه، ليس بالمعنى الفوكوي للسياسة الهجينة، وإنما بالمعنى الذي يعلنه لسان العرب لابن منظور : ساس، يسوس، سياسة، دبر وأحكم وأجاد. فكانت جودة نظلم العمل سليلة جودة نظام النظر. 
 

ولم يكن مسعى الغزالي لمعايشة الإحراج الميتافيزيقي إلا مراهنة جادة على ما لعقل الفيلسوف من كفاية المقدرة على التأويل. لقد كتب الغزالي قانون التأويل ولم يظهر بعد بول ريكور PAUL RICOEUR أحد أبرز أقطاب فن التأويل المعاصرين.