جهوية

الزربية القيروانية تصارع من أجل البقاء

حاملة فجرا على ظهرها ما نسجتنه على امتداد أكثر من شهر ونصف والعرق يتصبّب على جبينها و تحاول أن تسابق الريح بين الثنايا والطوابي حتى لا تفوتها سيارة النقل الريفي التي تمر من هناك عبر المسلك الفلاحي البعيد عن منزلها.

 سعيدة الفجّاري و السعادة ترتسم على محياها تقطن بالمنطقة الريفية "الفجاجرة" باحواز معتمدية العلا من ولاية القيروان التي ظلّت ولا زالت تفتقر لأبسط مقومات العيش وتنعدم بها التنمية قد ورثت حرفتها في "صناعة الزربية" عن أجدادها مثلها مثل باقي النسوة بالجهة اللائي عرفن منذ زمن بعيد بحياكة السجادة.

هناك اذا بلغت سعيدة المسلك الفلاحي المقصود ترتاح قليلا ومنه إلى مدينة العلا تتحوّل نحو عاصمة الأغالبة  وحال وصولها تتوجّه مترجلة نحو متحف الزربية المعروف باسم "دار الطابع" أين يتم تحديد جودة منتوجها ( الزربية) وتنصيص مقاساتها وختمها ثم تتنقل إلى سوق "الربع" وسط المدينة العتيقة لعرضها وبيعها بالمزاد العلني بعد فحصها والتثبت في مواصفات الجودة وكثافة الصوف حسب المنصوص بالختم (ورقة وقطعة رصاص).

هناك تجد سعيدة (72 سنة) نفسها في حيرة من أمرها بعد تسملها مبلغ 230 دينار ثمن الزربية التي نسجتها خلال 45 يوما وتتذكر الديون المتخلدة على ذمّتها من قبل صاحب العطرية الذي تتزوّد منه المواد الغذائية والتاجر الذي سلّمها الصوف والمعروف باسم "الطعّام" وكذلك متطلبات صغارها الذين تركتهم نياما داخل الكوخ الصغير قبل الشروع في رحلتها الشاقة،فلا تجد المسكينة ما يفسّر وضعيتها لينتهي بها المطاف فتقول   بمرارة "سأتخلى عن هذه الحرفة التي حفظتها منذ ان كان عمري 12 سنة".

 

يواجه بعد الثورة قطاع الزربية بالقيروان صعوبات كبيرة أهمّها غياب الترويج والتسويق في ظل إرتفاع أسعار المواد الأوّلية ما يتسبّب في عزوف الحرفيات وفتور التجارة جرّاء النقص الحاد في  موارد رزقهم في عدد من المعتمديات على غرار نصرالله والوسلاتية وبوحجلة بصفة كلية عن هذه الحرفة وأصبح عدد الحرفيات بكامل الولاية لا يتجاوز 500 حرفية بعدما كان قبل خلال سنة 2010 أكثر من 5 ألاف حرفية.

 

وقد تراجعت في ظرف 10 سنوات المساحة المطبوعة للزربية القيروانية بدار الطابع الى أكثر من 50 بالمائة حيث كانت المساحة تمسح حوالي 19 ألف متر مربّع  (18440 متر مربع) خلال سنة 2010 فأصبحت حاليا لا تتجاوز ال 10 ألاف متر مربع (9698 متر مربع خلال سنة 2020).

 

كما انخفضت قيمة الصادرات من مليون و 700 الف دينارا خلال سنة 2010 الى 50 ألف دينارا خلال سنة 2020 نتيجة الأحداث التي شهدتها البلاد وتقلص عدد السياح في ظل غياب آليات التسويق والترويج مع تفشي ظاهرة التهريب ودخول بضاعة مجهولة المصدر وأخرى مقلدة.

ونتيجة لانخفاض و تقلص عدد قطع الزرابي الواردة على دار الطابع إلى 3500 قطعة السنة المنقضية بعد  أن بلغ  12 ألف قطعة خلال سنة 2010  قرّرت الإدارة تخصيص يومين فقط أسبوعيا لإجراء عملية الختم بعد كان على امتداد كامل الأسبوع.

و من ثمة أصبحت الزربية القيروانية يتهدّدها  الإنقراض و أصبحت تصارع الزمان من أجل البقاء بعد أن كانت حرفة عريقة وتقليدا أسريا بالجهة ولا يكاد منزل أو قصرا يخلو منها.

وناشدت سعيدة وزميلاتها بمنطقتي "الفجاجرة" و "عين البيضاء" المسؤولين خاصة رئيس الجمهورية على ضرورة الاعتناء بالزربية القيروانية حتى تسترجع قيمتها ومكانتها الأصليتين  لتسجل حضورها و تكون "سيدة " القصور عوضا عن الفراش الحالي غير المألوف و المستورد  الذي غزى السحات  وحل محل السجاد.

*خليفة القاسمي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock