منتدى الحقوق الاقتصادية: حكومة المشيشي والسقطات الاتصالية
يوم تسلّم هشام المشيشي مهامه كرئيس حكومة بتاريخ 3 سبتمبر 2020، باعتباره "الشخصية الأقدر" التي اختارها رئيس الجمهورية قيس سعيد لتشكيل الحكومة كان معدل التحركات الاحتجاجية اليومية في حدود 17 احتجاجا، وفق ما جاء في بيان للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية اليوم 17 ديسمبر 2020.
واعتبر البيان أنّ المشيشي نجح بعد 100 يوم من توليه مهامه في الترفيع في هذا المعدل بنسبة تناهز 152 ٪، فالمتأمل في هذا "المنجز" يفهم أنّ "الرجل الأقدر" خسر أولى معاركه في إدارة شؤون البلاد ألا وهي اكتساب خطاب تواصلي مطمئن ولا يحرّض الناس على الاحتجاج والخروج للشوارع ولكن حصل العكس حيث أثار كل خروج إعلامي لرئيس الحكومة أزمات تواصلية مع الشارع.
وكما يشير المنحنى اليومي للاحتجاجات الاجتماعية المرصودة طيلة الـ 100 يوم إلى أنّ الرجل لم ينتظر طويلا كي يغذّي الحراك في الشارع بل إنّ المعدل اليومي للاحتجاج زاد خلال الثلاثة أسابيع الأولى من توليه المنصب بنسبة 240 ٪ وتزامن ذلك مع تطور الوضع الوبائي لفيروس كوفيد 19 وارتفاع عدد الإصابات والوفيات كما ترافق هذا الزمن بالدعوة المبكرة لإجراء تحويري وزاري.
وبعد شبه استقرار في منحنى التحركات الاحتجاجية اليومية، في حدود حوالي 30 تحرك احتجاجي، بدأ التصاعد التدريجي منذ 14 نوفمبر ليبلغ أقصاه خلال أسبوع مسجلا زيادة بنسبة 350 ٪ مقارنة بالمعدل اليومي للاحتجاج المسجل يوم تسلم الرجل الأقدر مهامه، وقد تزامن هذا التصاعد في نسق الاحتجاجات مع إعلان الحكومة توصلها لاتفاق جديد مع حراك الكامور انتهت بمقتضاه أزمة غلق "الفانا" في صحراء تطاوين واستئناف الضخ للشركات البترولية بعد أزمة استمرت أربعة أشهر. كما سجلنا خلال 100 يوم وصول 4685 مهاجرا نحول السواحل الإيطالية منهم 761 من القصر كما تم منع اجتياز 4352 مهاجرا انطلاقا من السواحل التونسية، حسب ذات البيان.
مشهد اتصالي ضعيف
وقال البيان إنّه "كان يمكن لهشام المشيشي أن يظهر، وهو يخطب من ثكنة "العوينة" مساء 9 نوفمبر ليعلن التوصل لهذا الاتفاق المهم، في هيبة الرجل الأقدر القادر على إدارة أزمة اجتماعية معقدة تمثّل حصاد عشر سنوات من الأخطاء والتراكمات والخيارات الاقتصادية والاجتماعية الفاشلة والتي تواجه حكومته اليوم وزر نتائجها ولكنه ظهر في مشهد اتصالي ضعيف وظهر بمظهر من لا يدرك حقيقة الوضع في البلاد".
وأضاف أنّ هشام المشيشي بدا في ذلك الخطاب فاقدا لأي خلفية بخصوص حقيقة خارطة الفقر في البلاد والمسؤول الذي لا يُظهر نباهة ومعرفة دقيقة بالملفات التي يديرها لا يمكنه أن يكسب ثقة المتلقي وهذا ما حصل في تجربة المشيشي بعد اتفاقه مع حراك الكامور.
وعكس ما ذهب إليه الكثيرون في قولهم بأنّ التفاعل مع حراك الكامور غذى التحركات الاحتجاجية وعودة نشاط بعض الحركات الاجتماعية على غرار الصمود 2 في قابس فقد مثّل الخطاب الاتصالي لرئيس الحكومة كلمة السر في ما حصل لاحقا، فالرجل أثبت مما لا يدع مجالا للشك بأنّ حكومته ستتفاعل مع من يحتل الشارع أولا لأنّ خطابه يوم 9 نوفمبر لم يكن موجها لأصحاب الحقوق في كل شبر من البلاد حيث جُمِّدت الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للناس وساد التهميش والفقر والجوع والفساد والتهرب الضريبي والاقتصاد الموازي والمحسوبية والرشوة بل كان موجها للمناطق التي تشهد تحركات احتجاجية في مناطق الإنتاج، خطاب اتصالي ضعيف وفاقد لأي رسائل طمأنة أسهم في عودة الصمود 2 وما ترتّب عن لاحقا من أزمة في قوارير الغاز شملت أغلب مناطق الوسط والجنوب ثم تشكل حراك اجتماعي نوعي في القيروان من خلال تجمع قوى المجتمع المدني والدخول في إضراب عام يوم 3 ديسمبر دفاعا عن حق الجهات في تنمية عادلة وتطبيق ما جاء من إجراءات معلنة من قبل المجلس الوزاري الخاص بالجهة والمنعقد بتاريخ أوت 2019، كما ظهرت تحركات احتجاجية في العديد من المناطق مثل اعتصام مجال بالعباس وأيضا في باجة وجندوبة والكاف والعديد من المناطق الأخرى، وفق بيان المنتدى.
وأشار البيان إلى أنّ عدد الاحتجاجات الاجتماعية التي رافقت الـ 100 يوم عمل لحكومة هشام المشيشي، قد بلغت 3387 تحرك احتجاجي أي معدّل حوالي 33 تحرك احتجاجي يومي مع تغير في منحنى هذه التحركات وفقا لتطور الحالة الاتصالية للرجل الأقدر.
حصاد العشرية الأولى
ووفق بيان المنتدى التونسي للحقوق الاجتماعية والاقتصادية، فقد حصل هذا في الربع الأخير من العام العاشر للثورة حيث تفاقمت الأزمة الاقتصادية والاجتماعية وكانت لها ارتداداتها على الوضع السياسي وعلى مسار الانتقال الديمقراطي لتصبح الأزمة شاملة وتغذي خطاب الكراهية والعنف السياسي والاجتماعي.
وقد بلغت الأزمة حد العجز عن إيجاد موارد مالية لميزانية العام الجديد (شُح في التمويل المحلي وأيضا الخارجي) وهو أمر يوصّفه بعض الخبراء الاقتصاديين على انه إفلاس غير معلن. كما مثلت حادثة الوفاة المأساوية للدكتور بدر الدين العلوي اثر سقوطه من مصعد مستشفى جندوبة أثناء تدخله لتقديم خدمة علاجية ابرز نظاهر الأزمة المالية العمومية وهي حادثة هزت وجدان التونسيين.
هذا الاحتقان الاجتماعي الذي رافق الـ 100 يوم عمل لحكومة المشيشي كان متوقعا ولكن ليس بهذا الزخم الكبير، فالمنطق يفرض أن يكون هناك نوع من التهدئة مع قدوم حكومة جديدة ومناقشة البرلمان لميزانية جديدة وبالتالي انفتاح الأوضاع على آفاق جديدة ولكن العكس تماما هو ما حصل لأنّ الحكومة الجديدة افتقدت للخطاب الاتصالي المبني على تكريس التواصل مع الشارع وطمأنة الناس وهو أمر كرس الضبابية وعدم الثقة في مؤسسات الدولة. وإذا ما أضفنا إلى هذه الأزمة الاتصالية المناخ العام في البلاد والذي تسود فيه أزمة اقتصادية واجتماعية يصبح الوضع الاجتماعي قابلا فعلا للانفجار وان تأجّل ذلك إلى حين، حسب ذات البيان.
واعتبر البيان أنّ مساعي رئيس الحكومة للخروج من هذه الأزمة كُلّلت بخيبات اتصالية جديدة فزيارته الأخيرة إلى فرنسا والتي كانت خلفيتها اقتصادية باعتبار اللقاءات التي أجراها المشيشي في باريس وطبيعة الوفد المرافق له وفِي مقدمتهم وزير المالي رفعت الحجاب عن حقيقة صادمة وهي أن "المشيشي الرجل" الأقدر لا خلفية له لا حقوقية ولا اجتماعية وهو الذي ربط بشكل صريح في تصريح لقناة فرنسية بين الهجرة غير النظامية والإرهاب.
وأضاف البيان: "نحس ما يلاحق الرجل، فهو يترأس حكومة تجني حصاد عشر سنوات من الخيارات الاقتصادية الفاشلة وتواجه مطالب اجتماعية عادلة يعجز المنوال التنموي المعتمد عن الاستجابة لها وحراك اجتماعي بدأ ينزع نحو العنف بسبب اللاتفاعل والتسويف والتجاهل وعدم تطبيق الاتفاقيات المبرمة وضرب مصداقية الدولة واستمراريتها".
و في الخاتم، قال البيان "بلا شك تنهي تونس عامها العاشر من الثورة وقد خَوَتْ البطون وزاغت أي آفاق للتشغيل الذي هو ابرز عناوين كرامة الإنسان وغابت العدالة الاجتماعية وزاد الخطاب المعادي للحقوق والحريات وهو وضع يهدد بلا شك مسار عشر سنوات من الانتقال السياسي المأزوم بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية المعطلة".