يتجوّل بين المقاسم الفلاحية القاحلة ويحدّق بعينيه الشاحبة في الأشجار اليابسة ويتلمس بأصابعه الأغصان البالية ويمتقع غيضا عن إتلاف الضيعة الفلاحية التي ترعرع بداخلها وكبر بين خيراتها وأكل من ثمارها السنين الخالية.
ككلّ صباح يخرج مختار عزيزي من بيته الصغير المتواجد بمنطقة سيدي سعد ويتوجّه نحو الضيعة الدولية الفلاحية المتاخمة لجبل "الشراحيل" بمعتمدية منزل المهيري ليقوم بجولة صغيرة في ثنايا مقاسمها الفلاحية ويتطلّع إلى غابة الزياتين وأشجار الفستق التي طالها الضياع والاتلاف وهو في حيرة وحسرة امتزجتا بعجزه وعدم قدرته على ريّ الضيعة لقلة وندرة التجهيزات والمعدات لذات الغرض رغم قرب مياه السد.
تمسح مساحة ضيعة سيدي سعد 2 التي يعمل بها مختار حوالي 2700 هكتار وتحتوي على الأشجار المثمرة وأراضي بيضاء خصبة كانت تنتج قبل مغادرة المستثمر آلاف الأطنان من الحبوب وزيت الزيتون وتدرّ المليارات للدولة لتتحوّل بين عشية وضحاها إلى أطلال وخراب بلا حراثة أو حتى قليلا من العناية فأُتلفت الأشجار وتآكلت التجهيزات والمعدات.
ليس مختار لوحده داخل الضيعة بل أكثر من 100 عامل لا يشتغلون لانعدام التجهيزات والمعدات معبّرين عن استيائهم على ما أصبحت عليه الضيعة وعن ضعف أجورهم وعدم تأمينهم، مطالبين السلطات المعنية بتقسيم هذه الضيعة كمقاسم فلاحية لاستغلالها ونفع أبناء المنطقة بدلا من إهمالها.
يوجد بولاية القيروان خمسة ضيعات دولية فلاحية مسترجعة مساحتها الجملية حوالي سبعة آلاف هكتارا صارت عرضة للضياع و النسيان بعد أن تم انتزاعها بعد الثورة من المستثمرين بتعلة الفساد واخضاعها تحت إشراف ديوان الأراضي الدولية الفلاحية الذي أصبح عاجزا عن التيسير والتوظيف وغير قادر عن حمايتها من الاعتداء والإهمال.
ورغم شساعة هذه الأراضي الدولية الفلاحية المسترجعة وتوزعها على ثلاثة معتمديات (منزل المهيري ونصر الله والسبيخة) الا أن ديوان الأراضي الفلاحية الدولية اكتفى بتكليف موظف وحيد على تسييرها وهي تشغل المئات من العملة وتمتدّ على آلاف الهكتارات.
وعبّر أهالي القيروان و لا سيما القاطنين بالقرب من هذه الضيعات عن عميق استيائهم مما لحقها من اهمال ومن تحوّل هذه الثروات الطبيعية إلى عبء دون مردود يذكر وأصبحت الدولة تتكفل بخلاص العمال بشكل غير منتظم.
وأكّد المندوب الجهوي للتنمية الفلاحية بالقيروان مراد بن عمر أن وزارة الفلاحة تعمل جاهدة على إمكانية إعادة هيكلة وإحياء هذه الأراضي عن طريق شركات الاحياء والتنمية، مقرّا بصعوبة التيسير والاستغلال في الوضع الراهن.
من الواضح أن الأراضي الدولية الفلاحية المسترجعة تتطلب المراقبة ولابد من حمايتها من الإهمال والاعتداء وتوفّر إرادة حقيقية تهدف إلى حسن توظيفها في ولاية تحتل المرتبة الأخيرة في مؤشر التنمية وتحسين ظروف عيش مختار وزملائه العمال.
*خليفة القاسمي