يقول أحمد (إسم مستعار) طفل الـ10 سنوات وهو يعود بحقيبته الصغيرة إلى منزله المتواضع، ''أشعر بالحزن عندما يناديني أترابي في الفصل بـ''جامع البلاستيك"، ويتفادون الإقتراب مني أيضا خوفا من كورونا، لكن ظروف عائلتي هي من دفعتني إلى البحث عن البلاستيك في أكداس قمامة المدينة''.
في الوقت الذي لم يبد فيه أحمد أي خوفا أو ارتباك من الحديث إلى موزاييك، بعد ترخيص والدته لنا بالتصوير معه، كان فراس (إسم مستعار) صاحب الـ7 سنوات، يمشي بخطوات سريعة بعيدا عن الكاميرا في كل مرة تحاول الاقتراب منه، كأنه غير معني بكلّ ما يدور في فلكه من هشاشة ووصم ومعاناة وفضوليين، إلا جمع ما توفّر من البلاستيك والعودة بأقصى سرعة إلى اللعب بكجاته داخل منزله القديم.
"كل صباح أطبخ لأبنائي الماء والمعكرونة، أشعر بأن قلبي يتمزق في كل مرة أقدم لهم هذه الوجبة، البلاستيك الذي أجمعه من القمامة مع أحمد وفراس لا يوفّر لنا إلاّ هذه الوجبة المتواضعة، ولولاه لمتنا جوعا، لا يوجد أم في الدنيا تريد لأبنائها هذا الواقع، لكن فقر الحال فرض علينا هذه المأساة"، هذا ما صرحت به سعيدة (إسم مستعار) التي تبلغ من العمر 40 سنة، من وسط بيتها البسيط الموجود بعرقوب ميمون بمدينة القصرين، واحد من أفقر الأحياء بمدينة القصرين.
طلاق سعيدة من زوجها الحامل لإعاقة، فرض عليها تحمّل مسؤولية أبنائها الأربعة. عملت كمعينة منزلية وألقيت هي وأطفالها إلى متاعب الشارع بعد أن تسبّب فيروس كورونا في تعطيلها عن عملها الهش بطبعه.
وعلى عكس أختهما التي غادرت مقاعد الدراسة باكرا جدا في سن الرابعة عشرة، أحمد وفراس متميزان في دراستهما ومتشبثان بمواصلة تعليمهما، رغم واقعهما المزري.
بملابس رثة ووجهين شاحبين لم تشفع لهما طفولتهما في جعل أحلامهما تتسع لأكثر من العثور على كمية بلاستيك تسد رمق عائلتهما، يقضي أحمد وفراس ساعات طويلة في رحلتهما اليومية بين أعمدة دخان مزابل عرقوب ميمون، لتعوض القمامة المتكدسة منتزهات كان من المفروض أن تحتوي أمالهما الفتية وقت عطلتهما في عمرهما هذا.
يجران أكياسهما عند الظهيرة في طريق العودة بحمولة لا يتجاوز سعرها الـ200 مليم، فحصيلتهما اليومية لم تكن مظفرة، لقد سبقتهما أفواج الملتحمين مع البلاستيك اليوم إلى المصب ولم يتركوا لهما إلا ما ندر مما يصلح لهما، ليغوص أحمد بمجرد دخوله إلى المنزل في مراجعة دروسه بينما يعود فراس إلى كجاته في عالمه المحدود الذي لم يتجاوز أفقه طريق المدرسة والمسلك المؤدي إلى مصبات النفايات العشوائية.
عالم هش لطفولة شرّعت لها مجلة حماية الطفولة كل أنواع الحقوق، "مكتسبات" بقيت واجهة جميلة لواقع مربك، لعب فيه البلاستيك دور المنقذ والمغتصب في ذات الوقت في حالات كثيرة، بشهادة دولة تسمع وترى معاناتهم ولا تنجز ما يعينهم على بؤس الحياة وما ينقذهم من مصبات النفايات.
برهان اليحياوي